الموت زائرٌ لا يستأذن، وضيف لا يعرف المجاملة، وباطش لا ترده الواسطة. يستوي عنده الكبير الصغير، والأمير والحقير، والغني والفقير، والملك والمملوك. ليس لزيارته موعد محدد، ولا لقدومه زمن معين، ولا لهجمته وقت معلوم؛ يدلف في السحر، ويقدم في الظهيرة، ويبهت في الغفلة، يُنزل الراكب من على دابته، ويبطش بالملك على كرسيه، ويختطف الوالد من بين ذويه، والصبي من يد والديه, لا يمهل المفرط حتى يتوب ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ﴾ ... [النساء: 18] ، ولا يرجئ الجائع حتى يشبع، ولا العطشان حتى يشرب ولا المسافر حتى يعود إلى أهله، ولا النائم حتى يفيق، ولا الصغير حتى يكبر ﴿ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ ... [الأعراف: 34].
عظماء على فراش الموت
أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -:لما حضرت أبا بكر – رضي الله عنه – الوفاة، قالوا له: ألا ندعوا لك طبيبًا ينظر إليك قال: قد نظر إليّ طبيبي، وقال: إني فعال لما أريد.
معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -:
ولما حضرت معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه – الوفاة قال: أقعدوني، فأقعد وبكى حتى علا بكاؤه، ثم قال: يا رب، ارحم الشيخ العاصي، ذا القلب القاسي، اللهم أقل العثرة واغفر الزلة، وَعُدْ بحملك على من لا يرجو غيرك، ولا يثق بغيرك.ك.
عمرو بن العاص – رضي الله عنه -:
لما احتضر عمرو بن العاص سأله ابنه عن صفة الموت، فقال: والله لكأن جنبيّ في تخت، ولكأنّي أتنفَّس من سمِّ إبرة، وكأن غُصن شوكٍ يُجَرُّ من قدمي إلى هامتي.
عبد الملك بن مروان – رحمه الله -:
ولما حضرت عبد الملك بن مروان - رحمه الله – الوفاة نظر إلى غسّال يلوي ثوبًا بيده ثم يضرب به المغسلة، فقال: ياليتني كنت غسالا آكل من كسب يدي يومًا بيوم، ولك آلِ من أمر الدنيا شيئًا. وقيل له في مرضه: كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟، قال: أجدني كما قال الله ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ ﴾ ... [الأنعام: 94].
المأمون - رحمه الله -:ولما حضرت المأمون - رحمه الله – الوفاة افترش رمادًا، ووضع خذه عليه، وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه.
أين منْ أسس الذّرى وبناهـا وتـولـى مشيدها ثم علّى
أين أهلُ الحصون منْ سكنوها رحلـوا كلّهم كمنْ قد تخلّى
أصبحوا في القبور رهنًا ليومٍ فيه حقًا كـلُّ السرائر تَبلى
ليس يبقى سوى الإله تعالـى وهو ما زال للكـرامة أهلا
وقيل لرجل عند الموت: كيف تجدك؟ فقال: أجدني أجتذب اجتذابًا وكأن الخناجر مختلفة في جوفي، وكأن جوفي تنور محمى يلتهب توقدًا. .
وقيل لآخر: كيف تجدُك؟ قال: أجدني كأن السماوات منطبقةٌ على الأرض عليّ، وأجد نَفْسي كأنها تخرج من ثقب إبرة.
فاحذر يا عبد الله متحولك من دار مهلتك، إلى دار إقامتك. يوم تمسي في قرار باطن الأرض بعد ظاهرها، أعاذنا الله وإياك من سوء المصرع، وضيق المضجع.
عمر بن عبد العزيز يتذكر الموت - رحمه الله -:
كان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله – يجمع الفقهاء كل ليلة، فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة، ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة.
أين الملوك ومن بالأرض قد عَمروا قد فارقوا ما بنوا فيها وما عمروا
وأصبحوا رهن قبـر بالذي عملـوا عادوا رميمًا به من بعد ما دثروا
أين العساكـرُ ما ردّتْ وما نَفَعـت وزين ما جمعوا فيها وما ادخروا
أتاهُـمُ أمرُ العـرش في عجــلٍ لم يُنجِهم منهُ أموالٌ ولا نُصِروا
قال الله تعالى في كتابه الحكيم ..بسم الله الرحمن الرحيم
(كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام )